و صار النشيج هذيانا، هُذاء متدفقا كالنهر الأعمى يجوس تحت طبقات الأرض و يتغلغل في أغوار نفسه ثم يتدفق على الشدقين زبدا.
و
لم يعد اللسان فيه وحده الذي يهذي، بل الأذن أيضا تهذي، تسمع ما لايسمع،
الشجر و الحجر يكلمه، الكائنات تنبئه أن الأمر يوشك أن يكون، و أن القران
هذه المرة قران السعد، قران القرون الطويلة...
و عجت الأذن بالطنين...طوبى لك أيها البار المبارك السر و السرور، هنيئا اجتيازك وادي الدموع إلى وادي الحبور...
و العين تهذي، ترى ما لا يُرى..
و القدم تهذي، تجفل و تشرد بعيدا، تدخل به أرضا شهباء قامت فيها عيدان عجفاء علقت عليها خرق و مزق باهتة الألوان.
تبتعد الصورة أكثر، امرأة هيفاء مغبشة كالطيف، تلبس الأحمر، تضرب خطواتها في أفق يتلاشى في ضباب رملي...
و
إذا العيدان مشانق منصوبة، و إذا الخرق و المزق جثث ممسوخة تدلت منها
الرؤوس وقد تساقط شعرها و تقشرت فبدت كالقرع المعروض للشمس، و حفار القبور
سقطت أسنانه إلا نابا صفراء يعض بها على الشفة السفلى، يمسك بقضيب يقرعها
به الواحدة تلو الأخرى يرى أيها نضجت فيتخذها أقداحا يشرب بها نخب توحده.
و
ينتبه إلى أن حفار القبور قد تفطن إلى حركته بين المشانق، فيهرب و يختفي
بين العيدان و القرع الأجوف المخشخش، أو بين الرؤوس المتدلية المتساقط
شعرها؟ لايدري، اختلط عليه الأمر، و العين صارت تهذي أكثر.
يخرج حفار القبور مسدسه من بزته العسكرية و يطلق عليه النار، يحس وجعا غريبا في خاصرته، و تنطفئ أخر نقطة ضوء...
عذرا على هذه الرمزية الموغلة في الخوف .. حاولت ترجمة
كابوس سرمدي .. لانفلات الذات من وجودها .. لاشئ يرقى بنا الى التوازن سوى
الخوف .. ترياق الألم خوف .. شكرا لكم ..